فصل: تفسير الآيات (51- 52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (51- 52):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}
نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء في النصرة والخلطة المؤدية إلى الامتزاج والمعاضدة. وحكم هذه الآية باق. وكل من اكثر مخالطة هذين الصنفين فله حظه من هذا المقت الذي تضمنه قوله تعالى: {فإنه منهم}، وأما معاملة اليهودي والنصراني من غير مخالطة ولا ملابسة فلا تدخل في النهي، وقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودياً ورهنه درعه، واختلف المفسرون في سبب هذه الآية، فقال عطية بن سعد والزهري وابن إسحاق وغيرهم: سببها أنه لما انقضت بدر وشجر أمر بني قينقاع أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلهم فقام دونهم عبد الله بن أبي ابن سلول وكان حليفاً لهم، وكان لعبادة بن الصامت من حلفهم مثل ما لعبد الله، فلما رأى عبادة منزع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سلكته يهود من المشاقة لله ورسوله جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أبرأ إلى الله من حلف يهود وولائهم ولا والي إلا الله ورسوله، وقال عبد الله بن أبي: أما أنا فلا أبرأ من ولاء يهود، فإني لابد لي منهم إني رجل أخاف الدوائر، وحكى ابن إسحاق في السير أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في جيب درعه، وقال: يا محمد أحسن في مواليَّ، فقال له رسول الله: «أرسل الدرع من يدك»، فقال لا والله حتى تهبهم لي لأنهم ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسراً أفأدعك تحصدهم في غداة واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد وهبتهم لك»، ونزلت الآية في ذلك، وقال السدي: سبب هذه الآية أنه لما نزل بالمسلمين أمر أحد فزع منهم قوم وقال بعضهم لبعض نأخذ من اليهود عصماً ليعاضدونا إن ألمّت بنا قاصمة من قريش وسائر العرب فنزلت الآية في ذلك، وقال عكرمة: سبب الآية أمر أبي لبابة بن عبد المنذر وإشارته إلى قريظة أنه الذبح حين استفهموه عن رأيه في نزولهم على حكم سعد بن معاذ.
قال القاضي أبو محمد: وكل هذه الأقوال محتمل، وأوقات هذه النوازل مختلفة، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس {لا تتخذوا اليهود والنصارى أرباباً بعضهم}، وقوله تعالى: {بعضهم أولياء بعض} جماعة مقطوعة من النهي يتضمن التفرقة بينهم وبين المؤمنين، وقوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} إنحاء على عبد الله بن أبيّ وكل من اتصف بهذه الصفة من موالاتهم، ومن تولاهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر واستحقاق النقمة والخلود في النار، ومن تولاهم بأفعاله من العضد ونحوه دون معتقد ولا إخلال بإيمان فهو منهم في المقت والمذمة الواقعة عليهم وعليه، وبهذه الآية جوز ابن عباس وغيره ذبائح النصارى من العرب وقال: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} فقال من دخل في دين قوم فهو منهم، وسئل ابن سيرين رحمه الله عن رجل أراد بيع داره من نصارى يتخذونها كنيسة فتلا هذه الآية، وقوله تعالى: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} عموم فإما أن يراد به الخصوص فيمن سبق في علم الله أن لا يؤمن ولا يهتدي وإما أن يراد به تخصيص مدة الظلم والتلبس بفعله، فإن الظلم لا هدى فيه، والظالم من حيث هو ظالم فليس بمهديّ في ظلمه.
وقوله تعالى: {فترى الذين في قلوبهم مرض} الآية، مخاطبة محمد صلى الله عليه وسلم والإشارة إلى عبد الله بن أبيّ ابن سلول ومن تبعه من المنافقين على مذهبه في حماية بني قينقاع، ويدخل في الآية من كان من مؤمني الخزرج يتابعه جهالة وعصبية، فهذا الصنف له حظه من مرض القلب، وقراءة جمهور الناس ترى بالتاء من فوق، فإن جعلت رؤية عين {فيسارعون} حال وفيها الفائدة المقصودة، وإن جعلت رؤية قلب ف {يسارعون} في موضع المفعول الثاني، ويقولون حال، وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب {فيرى} بالياء من تحت والفاعل على هذه القراءة محذوف ولك أن تقدر فيرى الله أو فيرى الرأي و{الذين} مفعول، ويحتمل أن يكون {الذين} فاعل والمعنى أن يسارعوا فحذفت أن إيجازاً {يسارعون فيهم} معناه في نصرتهم وتأنيسهم وتجميل ذكرهم، وقوله تعالى: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} لفظ محظوظ عن عبد الله بن أبيّ، ولا محالة أنه قال بقوله منافقون كثير، والآية تعطي ذلك، و{دائرة} معناه نازلة من الزمان وحادثة من الحوادث تحوجنا إلى موالينا من اليهود، وتسمى هذه الأمور دوائر على قديم الزمان من حيث الليل والنهار في دوران، فكأن الحادث يدور بدورانها حتى ينزل فيمن نزل، ومنه قول الله تعالى: {دائرة السوء} [التوبة: 98، الفتح: 6] و{يتربص بكم الدوائر} [التوبة: 98] ومنه قول الشاعر:
والدهر بالإنسان دواريّ

وقول الآخر:
ويعلم أن النائبات تدور

وقول الآخر:
يرد عنك القدر المقدورا ** ودائرات الدهر أن تدورا

ويعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الزمان قد استدار».
قال القاضي أبو محمد: وفعل عبد الله بن أبيّ في هذه النازلة لم يكن ظاهره مغالبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو فعل ذلك لحاربه رسول الله، وإنما كان يظهر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستبقيهم لنصرة محمد ولأن ذلك هو الرأي، وقوله إني امرؤ أخشى الدوائر أي من العرب وممن يحارب المدينة وأهلها، وكان يبطن في ذلك كله التحرز من النبي والمؤمنين وآلفت في أعضادهم، وذلك هو الذي أسر هو في نفسه ومن معه على نفاقه ممن يفتضح بعضهم إلى بعض، وقوله تبارك وتعالى: {فعسى الله} مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ووعد لهم، و{عسى} من الله واجبة، واختلف المتأولون في معنى {الفتح} في هذه الآية فقال قتادة: يعني به القضاء في هذه النوازل، والفتاح القاضي، فكان هذا الوعد هو مما نزل ببني قينقاع بعد ذلك وبقريظة والنضير، وقال السدي؟ يعني به فتح مكة.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر الفتح في هذه الاية ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو كلمته، أي فيبدو الاستغناء عن اليهود ويرى المنافق أن الله لم يوجد سبيلاً إلى ما كان يؤمل فيهم من المعونة على أمر محمد صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته فيندم حينئذ على ما حصل فيه من محادة الشرع، وتجلل ثوب المقت من الله تعالى ومن رسوله عليه السلام والمؤمنين كالذي وقع وظهر بعد، وقوله تعالى: {أو أمر من عنده} قال السدي المراد ضرب الجزية.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر أن هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو ما يتركب على سعي النبي وأصحاب ويسببه جدهم وعملهم، فوعد الله تعالى إما بفتح بمقتضى تلك الأفعال وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع هو أيضاً فتح لا يقع للبشر فيه تسبيب، وقوله تعالى: {فيصبحوا} معناه يكونون كذلك طول دهرهم، وخص الإصباح بالذكر لأن الإنسان في ليله مفكر متستر، فعند الصباح يرى بالحالة التي اقتضتها فكره أو أمراضه ونحو ذلك ومنه قول الشاعر:
***أصبحت لا أحمل السلاح ** إلى غير هذا من الأمثلة، والذي أسروه هو ما ذكرناه من التمرس بالنبي صلى الله عليه وسلم وإعداد اليهود للثورة عليه يوماً ما، وقرأ ابن الزهري {فيصبح الفساق على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.

.تفسير الآيات (53- 54):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}
اختلف القراء في هذه الآية فقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع {يقول} بغير واو عطف وبرفع اللام. وكذلك ثبت في مصاحف المدينة ومكة. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم {ويقول} بإثبات الواو. وكذلك ثبت في مصاحف الكوفيين. وقال الطبري كذلك هي في مصاحف أهل الشرق. وقرأ أبو عمرو وحده {ويقولَ} بإثبات الواو وبنصب اللام. قال أبو علي وروى علي بن نصر عن أبي عمرو والنصب والرفع في اللام. فأما قراءة ابن كثير ونافع فمتعاضدة مع قراءة حمزة والكسائي. لأن الواو ليست عاطفة مفرد على مفرد مشركة في العامل وإنما هي عاطفة جملة على جملة وواصلة بينهما والجملتان متصلتان بغير واو. إذ في الجملة الثانية ذكر من الجملة المعطوف عليها. إذ الذين يسارعون وقالوا نخشى ويصبحون نادمين هم الذين قيل فيهم. {أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم} فلما كانت الجملتان هكذا حسن العطف بالواو وبغير الواو. كما أن قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم} [الكهف: 22] لما كان في كل واحدة من الجملتين ذكر ما تقدم اكتفى بذلك عن الواو، وعلى هذا قوله تعالى: {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 39 الأعراف: 36 يونس: 27] ولو دخلت الواو فقيل {وهم فيها خالدون} كان حسناً.
قال القاضي أبو محمد: ولكن براعة الفصاحة في الإيجاز، ويدل على حسن دخول الواو قوله تعالى: {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} [الكهف: 22] فحذف الواو من قوله: {ويقول الذين آمنوا} كحذفها من هذه الآية، وإلحاقها في قوله: {ثامنهم}.
قال القاضي أبو محمد: وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا القول من المؤمنين إنما هو إذا جاء الفتح حصلت ندامة المنافقين وفضحهم الله تعالى، فحينئذ يقول المؤمنون {أهؤلاء الذين أقسموا} [المائدة: 53] الآية. وتحتمل الآية أن تكون حكاية لقول المؤمنين في وقت قول الذين في قلوبهم مرض {نخشى أن تصيبنا دائرة} [المائدة: 52] وعند أفعالهم ما فعلوا في حكاية بني قينقاع. فظهر فيها سرهم وفهم منهم أن تمسكهم بهم إنما هو إرصاد لله ولرسوله. فمقتهم النبي والمؤمنون، وترك النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع لعبد الله بن أبيّ رغبة في المصلحة والألفة، وبحكم إظهار عبد الله أن ذلك هو الرأي من نفسه وأن الدوائر التي يخاف إنما هي ما يخرب المدينة وعلم المؤمنون وكل فطن أن عبد الله في ذلك بخلاف ما أبدى. فصار ذلك موطناً يحسن أن يقول فيه المؤمنون {أهؤلاء الذين أقسموا} الآية، وأما قراءة أبي عمرو ويقول بنصب اللام فلا يتجه معها أن يكون قول المؤمنين إلا عند الفتح وظهور ندامة المنافقين وفضيحتهم، لأن الواو عاطفة فعل على فعل مشركة في العامل، وتوجه عطف {ويقول} مطرد على ثلاثة أوجه، أحدها على المعنى، وذلك أن قوله: {فعسى الله أن يأتي بالفتح} [المائدة: 52] إنما المعنى فيه فعسى الله أن يأتي بالفتح فعطف قوله تعالى: {يقول} على {يأتي} اعتماداً على المعنى، وإلا فلا يجوز أن يقال عسى الله أن يقول المؤمنون. وهكذا قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن} [المنافقون: 10] لما كان المعنى أخرني إلى أجل قريب أصدق وحمل {أكن} على الجزم الذي يقتضيه المعنى في قوله: {فأصدق}، والوجه الثاني أن يكون قوله: {أن يأتي بالفتح} [المائدة: 52] بدلاً من اسم الله عز وجل كما أبدل من الضمير في قوله تعالى: {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} [الكهف: 63] ثم يعطف {ويقول} على أن يأتي لأنه حينئذ كأنك قلت عسى أن يأتي، والوجه الثالث أن يعطف قوله: {ويقول} على {فيصبحوا} [المائدة: 52] إذ هو فعل منصوب بالفاء في جواب التمني، إذ قوله عسى الله تمن وترج في حق البشر، وفي هذا الوجه نظر وكذلك عندي في منعهم جواز عسى الله أن يقول المؤمنون نظر، إذ الله تعالى يصيرهم يقولون بنصره وإظهار دينه، فينبغي أن يجوز ذلك اعتماداً على المعنى قوله تعالى: {جهد أيمانهم} نصب جهد على المصدر المؤكد والمعنى أهؤلاء هم المقسمون باجتهاد منهم في الإيمان {أنهم لمعكم} ثم قد ظهر الآن منهم من موالاة اليهود وخذل الشريعة ما يكذب إيمانهم، ويحتمل قوله تعالى: {حبطت أعمالهم} أن يكون إخباراً من الله تعالى، ويحتمل أن يكون من قول المؤمنين على جهة الإخبار بما حصل في اعتقادهم إذ رأوا المنافقين في هذه الأحوال، ويحتمل أن يكون قوله: {حبطت أعمالهم} على جهة الدعاء إما من الله تعالى عليهم وإما من المؤمنين، وحبط العمل إذا بطل بعد أن كان حاصلاً، وقد يقال حبط في عمل الكفار وإن كان لم يتحصل على جهة التشبيه، وقرأ جمهور الناس حبِطت بكسر الباء وقرأ أبو واقد والجراح {حبَطت} بفتح الباء وهي لغة.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه} الآية قال فيها الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وقتادة نزلت الآية خطاباً للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة، والإشارة بالقوم الذين يأتي الله بهم إلى أبي بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة، وقال هذا القول ابن جريج وغيره.
قال القاضي أبو محمد: ومعنى الآية عندي أن الله وعد هذه الأمة من ارتد منها فإنه يجيء بقوم ينصرون الدين ويغنون عن المرتدين فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر، وكذلك هو عندي أمر عليّ مع الخوارج، وروى أبو موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هم قوم هذا يعني أبا موسى الأشعري وقال هذا القول عياض، وقال شريح بن عبيد: لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا وقومي هم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ولكنهم قوم هذا، وأشار إلى أبي موسى، وقال مجاهد ومحمد بن كعب أيضاً: الإشارة إلى أهل اليمن، وقاله شهر بن حوشب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله عندي قول واحد، لأن أهل اليمن هم قوم أبي موسى، ومعنى الآية على هذا القول مخاطبة جميع من حضر عصر النبي صلى الله عليه وسلم على معنى التنبيه لهم والعتاب والتوعد، وقال السدي الإشارة بالقوم إلى الأنصار.
قال القاضي أبو محمد: وهذا على أن يكون قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} خطاباً للمؤمنين الحاضرين يعم مؤمنهم ومنافقهم. لأن المنافقين كانوا يظهرون الإيمان، والإشارة بالارتداد إلى المنافقين، والمعنى أن من نافق وارتد فإن المحققين من الأنصار يحمون الشريعة ويسد الله بهم كل ثلم، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي وعاصم يرتد بإدغام الدال في الدال، وقرأ نافع وابن عامر يرتدد بترك الإدغام، وهذه لغة الحجاز، مكة وما جاورها، والإدغام لغة تميم، وقوله تعالى {أذلة على المؤمنين} معناه متذللين من قبل أنفسهم غير متكبرين، وهذا كقوله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29] وكقوله عليه السلام «المؤمن هين لين»، وفي قراءة ابن مسعود {أذلة على المؤمنين غلظاء على الكافرين}، وقوله تعالى: {ولا يخافون لومة لائم} إشارة إلى الرد على المنافقين في أنهم كانوا يعتذرون بملامة الأخلاق والمعارف من الكفار ويراعون أمرهم، وقوله تعالى: {ذلك فضل الله} الإشارة بذلك إلى كون القوم يحبون الله ويحبهم، وقد تقدم القول غير مرة في معنى محبة الله للعبد وأنها إظهار النعم المنبئة عن رضاه عنه وإلباسه إياها. و{واسع} معناه ذو سعة فيما يملك ويعطي وينعم.